يوميات نصراوي: قصتان انتخابيتان
نبيــل عــودة
القصة الأولى: ببغاء للشؤون الرئاسية...
تسابق مرشحو الرئاسة الجدد في بلدة اسبانية جبلية لشراء ببغاء تكون سكرتيرة لرئيس البلدية. السبب ان الوعود التي نثرت لا تغطية لها في الميزانية، ربما تخالف كل عرف قانوني. فكر المرشح الأول، بذلك يستحق صفة "مفكر"، قال لنفسه: الببغاء ستحفظ جملة تعيدها على مسامع المراجعين بأن الرئيس منشغل بتنظيم دفاتر وعوده. اذا سئلت أي سؤال آخر لن تجيب الا بما تعلمته: "الرئيس منشغل بترتيب دفاتر وعوده".. ومن لا يصدق هذه العجيبة الانتخابية الناطقة؟
"هذا حل مثالي" قال المرشح الثاني الذي يعلن انه المنتصر القادم، رغم انه لم يحقق اي انتصار سابق.. "الببغاء توفر علي مليون كلمة كل يوم لأتملص من الوعود التي قطعتها على نفسي مع خبطة على الصدر". اضاف "مع اقتراب الانتخابات التي تلي هذه الدورة التي سننتصر فيها حتما، نعلن ان مؤامرة من اعداء الشعب والوطن حالت دون تنفيذ ما وعدنا به الشعب ، انتخبوني لأنفذ ما تعهدت به وها هي الببغاء الناطقة دليل على ما أقول!!"
المرشح الثالث يظن انه البديل، لكنه لا يعرف كيف يكون بديلا مكان الأورجينال (الأصيل)، اذا تعثرت خطاه ولم ينفذ وعوده فالويل له من مريديه، قال لنفسه "الحل ببغاء ناطقة تقول للجميع جملة واحدة فيخرجون راضين متأملين ان البديل سيحقق لهم ما طلبته نفوسهم.. لأن الطير لا يعرف الكذب ". قال انصاره "اذا تأخر البديل بإخراج وعوده للتنفيذ، فسوف نحضر له شربة ملح انكليزي ، لتخرج الوعود بيسر وليس بعسر!!"
المرشح الرابع فكر، بذلك صار مرشحان يستحقان صفة "المفكر" ان الببغاء قادرة على اقناع مؤيديه أكثر من اي شخص آخر. فكر "سيتعجبون لمسمع طائر يتكلم الإسبانية الفصحى بدون أخطاء ويعتبروا ذلك من انجازات المرشح الفائز برئاسة البلدية".. والمؤكد انه الفائز باذن الله!!
لكنه في ورطة، قال انه سيقيم مهرجانا للتغيير ، واذا لم يتغير شيء ويتربع على كرسي الرئاسة، سيحتاج الى ببغاء تكرر الهتاف على مسامع الجماهير "سنغير سنغير ، سنفتح أكبر مصنع للتغيير". قال لنفسه "سنجعل التغيير ايقونة مقدسة توزع على السائلين مجانا، ونعلم الببغاء ان تقول جملة مختصرة لكل السائلين عن موعد التغيير"، السبب أن حضرته/ها عندما يريح قفاه المتعبة على كرسي الرئاسة سينشغل في الأيام الأولى بمعرفة قيمة الوعود المطروحة من ناحية مالية، حتى لا يتورط المجلس البلدي في عجز مالي يمتنع بسببه عن دفع اجور موظفيه، فيصير حاله مثل الهارب من تحت الدلف لتحت المزراب، اذن لا بد من ببغاء تعطي جواب واحد لا جوابين ، والله يوصي بالصبر.
عليه توجه المتنافسون الأربعة الى محل لبيع الطيور النادرة، كان طلبهم الحصول على ببغاء تحسن نطق الإسبانية ويسهل تعليمها قول جملة مفيدة.
سر البائع من زبائنه، جلب ببغاء ريشها جميل ، وقال لها : "انا صح" فنطقت بلغة اسبانية لا يشوبها خطأ "انا صح".
- كم ثمنها ؟
- 30 الف يورو فقط؟
- ساشتريها . قال الأول
- لدي ببغاء ثمنها 50 الف يورو وتستطيع ان تقول اربعة كلمات بدون خطأ.
- ممتاز (صرخوا سوية بسعادة) اربعة كلمات أفضل من كلمتين!!
جلب ببغاء تبرق عينيها مثل عيني قطة في الليل.
- انا سأشتريها ... أنا اشتريها .. بل أنا !! تنافس الزملاء الأربعة.
- تمهلوا. قال البائع واضاف:
- لدي ببغاء تقول ستة كلمات وثمنها 100 الف يورو.
- غدا سأحول المبلغ من قطر الى حسابك البنكي... تريده باليورو ام بالدولار او بالشيكل؟ صرخ آخر:
- انا جاهز للدفع الآن بالبيزيتا الاسبانية !!
- انا سبقتكم الى شرائها. أصر/ت زعيم/ة التغيير؟
المنافسة اشتدت .. "سأدفع بالدولار" ، قال المرشح الأول. "سأدفع بالجنيه الاسترليني" قال الثاني، "سأدفع باليورو" قال الثالث .. واضاف الرابع:
- القيمة لا تختلف باختلاف الوان العملة انا سأدفع بالبيزيتا .. لآنها عملتنا الوطنية غير المستوردة.. هذا يثبت وطنيتي أيضا.
بدأ النزاع يشتد من يشتري الببغاء الناطقة بست كلمات.. التاجر ابتسم وقال لهم:
- لدي ما هو افضل ، ببغاء بمليون يورو .
- مليون يورو؟! جحظت عيونهم.
- اجل انها هنا .. تفضلوا انظروا اليها..
قادهم الى غرفة جانبية ، شاهدوا ببغاء مع نظارات طبية، نظرت اليهم من فوق العدسات ، ولم ترد عليهم التحية.
- لكنها أبشع من الببغاوات السابقات .. لماذا مليون يورو؟ ما الذي يميزها؟
- انها استاذة اللغة الاسبانية، كل الببغاوات هم تلامذتها، وهي تريد ان تنهي عملها بالتعليم لتصبح رئيسة بلدية، اسمعوها..
توجه التاجر اليها برقة واحترام:
- ما هو برنامجك الانتخابي يا سيدة الببغاوات؟
وانطلق صوتها:
- انا الصح، انا المنتصر القادم ، انا اصنع التغيير، انا رأس الحكمة، انا برفع الراس ، انتخبوني وسأعفيكم من الضرائب والرسوم واوظف ابنائكم .. سامد لكم شارع يتجاوز ضغط الشارع الرئيسي عبر جسر هوائي . سأوفر لكم مواقف مجانية، سأرجع الأحراش للدولة ، نحن لا نريد أحراشا. لا نريد قاعة ثقافية يلتقي فيها الشباب بالصبايا ، هذه معصية للخالق، لا نريد مدراس تعلم الفيزياء والرياضيات ومواضيع الكفر مثل المنظومة الشمسية وتطور الانسان. يكفي الحساب ومعرفة الأرقام والتسبيح بحمد الرئيس ومعرفة ان الخطان المتوازيان لا يلتقيان الا بإذنه تعالى ...انتخبوني وسأجعل التغيير مضمونا.. سأغير .. سأغير.. سأبدل .. سـأغير.. سأغير..
واستمر هتافها بالتغيير مما اثلج صدور المتنافسين!!
في تلك الليلة لم تهدأ بدالة التلفونات الدولية في قطر، وانشغلت مكاتب المال في مختلف عواصم العالم لتوفير المبالغ للفوز بالمناقصة الكبيرة لشراء ببغاء ناطقة لتسيير شؤون البلدية ورئيسها ابو (او ام) التغيير !!
القصة الثانية: مرشح رئاسة...!!
في رحلة طيران جلست شقراء جميلة جداً بجانب مرشح رئاسة بلدية في مدينة تقع في بلاد 48..التي باتت تعرف لعظمتها بقارة اسرائيل.
الشقراء شدت أنظاره. قال لنفسه: "لو كان لها عقل بقدر نصف جمالها لقبلت ان اكون نائب لها في البلدية .. او حتى سكرتيرها الشخصي". أضاف متمتما:" سبحان الذي يهب الجمال لمن لا عقل له". بعد تفكير أضاف لنفسه: "الرحلة طويلة، ومع شقراء جميلة وغبية بالتأكيد ستكون رحلة ممتعة جداً.. وقد أقنعها ان تقبل وظيفة في مكتبي الرئاسي.. مع مثل هذا الجمال لا يشعر الرئيس بالملل من كثرة المطالبين بتنفيذ الوعود!!
بدأ يعاكسها.. من أين سيدتي؟ هل تعرفين من أنا؟ يجب ان تعرفي ،الم تشاهدي صوري الجميلة التي ملأت الحيطان ولوحات الاعلانات والصحف ومواقع الانترنت ؟ كيف لم تشاهدي صوري؟.. بالتأكيد شاهدت صوري التي تسرق الألباب .. هل اعجبتك ؟ لديك ملاحظة؟ انا انسان ليبرالي سيدتي، باستطاعتك ان تقولي انها جميلة ورائعة، لن اعارض رايك!!
قال لنفسه "يبدو انك خجولة"، أضاف "انا يا سيدتي أسافر لنقل خبرتي في نشر الصور الانتخابية وصياغة الشعارات عن البديل والتغيير والانتصار القادم والحكمة وصاحب القرار وكيف تقوى همة الشباب حتى لعجوز في الثمانين .. طبعا تنظيم مهرجانات التغيير والانتصار والتبديل وصنع القرار والتفاف الجماهير والحصول على اليورو بعد هبوط اسهم الدولار..، وكيف تشكل قائمة ومرشح يرفعوا الرأس.. انا بالتأكيد يا جميلة سأفوز برئاسة البلدية ضد العصابات السابقة، وها هو دفتري معي لأسجل اسمك كمديرة مكتبي في دورة الرئاسة القادمة.. ما اسمك سيدتي؟ مكتبي يحتاج الى موظفات جميلات لاستقبال الناس ، كل الناس.. الرحلة ستكون طويلة يا سيدتي، هل تعرّفينني على نفسك؟ ما رأيك ان نتسلّى بلعبة جميلة حتى لا نشعر بالوقت؟!"..
ثرثر كثيرا وطرح عشرات الأسئلة.. وهي تنظر اليه شذرا وتحاول التمّلص من مضايقته لها، وهو يزداد اقتناعاً انها صيد رائع لمرشح صار اسمه عنواناً للانتصارات القادمة في قارة اسرائيل ..ومن يعرف ؟ ربما ينجز انتصارا غير مسبوق في تاريخ القارة تجعله خبيرا دوليا في تحقيق الانتصارات، عندها سيحتاجها اكثر لرحلاته الدولية، سيكون شخصية مهمة.. وتفرش له البسط الحمراء اينما توجه.. لكن هذه الشقراء تشد انظاره برقتها وجمالها وانوثتها التي تشع مثل اليورانيوم المخصب.. تكبرها يجعلها اكثر اغراء. . لكنه صاحب خبرة وقدرة على طمأنتها ان المسالة مجرد "صدفة خير من الف ميعاد"، تكسب بها وظيفة هامة في مكتبه ان شاء الله. .. او كما تغني ام كلثوم" نظرة فابتسامة فسلام / فكلام فموعد فلقاء"!!
لنترك لها الخيار الآن.. لكن فكرة ممتازة خطرت بباله:
- "اسمعي يا سيدتي الجميلة، أقترح عليك لعبة، نسبة الفوز من واحد لي الى عشرة لك.. انا أسألك.. اذا لم تعرفي الإجابة تدفعين لي 10 شواقل. ثم تسألينني بدورك . اذا لم أعرف الجواب أدفع لك 100 شاقل.. ما رأيك؟"
وضحك ضحكة كبيرة معتزاً بمعلوماته وقدرته على الانتصار على المنافسين وعلى عصابة البلدية .. وبالتأكيد على هذه السيدة الشقراء الجميلة والغبية والمغرية بنفس الوقت.
نظرت اليه بطرف عينها، وجهها لا يقول شيئا .. وهزّت رأسها موافقة.
"وقعت بالفخ" فكر معتداً بنفسه، شاعراً ان الطريق ليجعلها طوع بنانه قد انجزت، متفائلا ان هذا أول انتصار له في معركته للفوز برئاسة البلدية في بلدة تقع في قارة اسرائيل. سألها:
- ما المسافة بين الكرة الأرضية وأقرب كوكب في المجموعة الشمسية؟
لم تجب، أخرجت من حقيبتها 10 شواقل وأعطته إياها... ضحك سعيدا لأنه أثبت تفوقه بالذكاء عليها من السؤال الأول.
- "الآن دورك". قال لها.
سألته:
- ما الذي يصعد التلّ بثلاث سيقان وينزل منه بأربع..؟
فكّر طويلاً. شعر بالإحراج لأنه لم يعرف الجواب. ثم اضطر الى إخراج محفظته ودفع لها 100 شاقل. الشقراء أدخلت النقود في حقيبتها دون ان تقول شيئاً.
مرشح الرئاسة الذي يرفع الراس مع قائمة مرشحيه، أمسكته الحيرة. قال لنفسه: "يبدو انها أذكى مما توقعت" سألها:
- حسنا.. ما هو الجواب لسؤالك؟
دون ان تقول الشقراء اية كلمة، أخرجت من محفظتها 10 شواقل وأعطتها لمرشح الرئاسة!!
الأحد مايو 26, 2019 12:59 am من طرف نبيل عودة
» فلسفة مبسطة: الماركسية بين الجدلية والمركزية
الجمعة يوليو 13, 2018 9:52 am من طرف نبيل عودة
» الرأسمالية في التطبيق!!
الأربعاء مارس 07, 2018 10:42 pm من طرف نبيل عودة
» مطلوب مرشحين لرئاسة بلدية الناصرة
الثلاثاء يناير 30, 2018 6:59 pm من طرف نبيل عودة
» مؤسسة الفكر للثقافة والاعلام تصدر كتابا الكترونيا لنبيل عودة
السبت ديسمبر 23, 2017 7:25 am من طرف نبيل عودة
» خواطر ثقافية حول ديوان الشاعرة نعيمة عماشة: "يمام ورصاص"
الأحد سبتمبر 24, 2017 11:00 am من طرف نبيل عودة
» الواقع الثقافي العربي ومفهوم الحداثة
الإثنين سبتمبر 11, 2017 10:59 am من طرف نبيل عودة
» ديماموغيا
السبت سبتمبر 02, 2017 6:18 am من طرف نبيل عودة
» يستحق الاعدام
الثلاثاء أغسطس 22, 2017 11:06 pm من طرف نبيل عودة