ما يشغل العرب في اسرائيل..؟!
نبيل عودة
بدأت اولى ملامح الانتخابات للسلطات المحلية العربية في اسرائيل تأخذ مساحة في تفكير ونشاط مختلف الحركات ، وهو أمر مشروع وطبيعي رغم ان موعد الانتخابات يبعد عنا قرابة العامين.
انتخابات السلطات المحلية العربية في اسرائيل تشبه حربا أهلية عائلية سياسية دينية طائفية وما شئتم. سميتها مرة "مهزلة انتخابات". الطموح لكرسي رئاسة السلطة المحلية يحول المنافسة الى وعود لا يمكن تنفيذها، وبعض رؤساء السلطات المحلية الفائزين ملتزمون لأبناء عائلتهم وحلقتهم المقربة جدا، وتنظيمهم السياسي او الطائفي او الاطار العائلي البغيض الذي اوصلهم للرئاسة.
للأسف الانتخابات لم تعد سياسية حتى في مدينة مثل الناصرة، هناك تنظيمات تثير التفسخ الديني تحت شعارات براقة، مثل "مشروع نهضة جديد"، "تحقيق التغيير المنشود" ، "حمل الأمانة"، "قلعة من قلاع النضال الوطني" وكثير من الديباجة اللغوية التي اعتدناها من قادتنا العرب في الداخل والخارج، لكن السؤال المحرج عن أي نهضة وتغيير منشود ونضال وطني تحت شعارات طائفية ، تنظيم طائفي، قائمة طائفية،قائمة عائلية، تغيب الأحزاب وتتقدم العائلية السياسية، تغيب الأحزاب وتتقدم الطائفية السياسية،كل شيء يتراجع، كل ما بنيناه ينهار. هل من منطق خوض قائمة بتركيبة طائفيه لإنتخابات مدينة بمكانة مدينة الناصرة؟ لسنا ضد رئيس بلدية من أي طائفة كانت، ولكن ان يكون رئيسا يجمع عليه ابناء الناصرة بغض النظر عن الهوية الدينية. التغيير تحت لواء هوية دينية مرفوض والتغيير الذي يريدة زيد لا يتشابه مع التغيير الذي يريده قيس . النهضة تحت لواء هوية دينية هي تراجع وتفسخ وربما مفهوم النهضة يختلف بماهيته واهدافه بشكل لا يمكن التجسير عليه بين المفهومين. والأمانة ليست شخصية فقط بل نظام عمل وشفافية ومساواة في الخدمات لجميع المواطني دون فئة لها اولوية بحكم موقعها العائلي او الطائفي او الحزبي.
ان المشروع الصهيوني الذي يخص ضرب الهوية القومية والتماسك الاجتماعي والثقافي للعرب في اسرائيل، نجح أخيرا في مهمته التي كانت مستحيلة في ظل حزب واحد يتمتع بثقة الجماهير العربية ويقودها في أحلك ايامها بعد النكبة، وكانت الجماهير تثق به حتى لو لم يصوتوا له لأسباب تتعلق بالممارسات الفاشية التي واجهت الأقلية العربية في عقدي الدولة الأولين ( ليس سرا انه الحزب الشيوعي).
تكاثرت الأحزاب، وتكاثرت الشعارات القومية مثل الفطاريش في موسم شتوى صاخب ، ولكننا أصبحنا مثل الأيتام على موائد اللئام السلطوية. تفسخ وتفرق وعدائية وتعزز العائلية وتحول الطائفية الى الظاهرة السياسية الأقوى.
المواقف المعلنة للتنظيمات السياسية قد تكون صحيحة ، انما لا تعني شيئا ملموسا ، الهدف ليس مواجهة السلطة، بقدر ما هي مواجهة المختلفين فكرا وثقافة ودينا من نفس المواطنين ونفس ابناء المجتمع العربي. ربما تعبير عربي يجب ان يلغى نهائيا ، تمشيا مع سياسة السلطة الصهيونية التي لا تعترف بانتمائنا القومي بل تجعلنا مسلمين ومسيحيين ودروز وبدو.اليس هذا ما يطرح اليوم من الحركة السياسية الأقوى والأوسع في الوسط "غير اليهودي" في اسرائيل ( لم استعمل تعبير "عربي" حتى لا يغضب علي من لا يرى بالهوية القومية انتمائه وهويته الأساسيتين)؟
ان السيطرة على مؤسسة تعتبر أكبر مشغل في الوسط العربي، مؤسسة تملك التاثير على اتجاه التفكير والخيار السياسي للكثير من المواطنين وليس للسذج فقط، وذلك بحكم ما تمثله كادارة لمؤسسة بلدية قيمتها تتجاوز المحلية الى التأثير القطري في الوسط العربي ، والى اسقاطات عميقة على الواقع الاسرائيلي كله، كذلك لا يمكن تجاهل التأثير الدولي لمكانة مدينة الناصرة والوجه الذي ستظهر فيه امام الاعلام الدولي بصفتها مدينة سياحة مسيحية الأهم في العالم، ومدينة تعتبر الوجه السياسي للجماهير العربية في اسرائيل. هذه السيطرة ستجر اشكاليات صعبة للناصرة وما هو اوسع من الناصرة. لا يمكن قيادة المدينة بمن يدعي انه "لا مولى" لبعض ابنائها حسب شعارات تثير الامتعاض والقرف ترفع في مركز المدينة واطرافها بين فترة واخرى.
هل ستلحق الناصرة ربعها مع الربيع العربي في اتجاهه الذي لا يحمل الأمل من المستقبل؟ الذي يبدو واضحا ان الجماهير التي اسقطت الطغيان انما استبدلته بطغيان جديد، تشير كل الظواهر الأولية انه سيكون أشد طغيانا من سابقه ؟؟ كلنا مع الربيع العربي لإسقاط الطغيان، واملي بربيع جديد يعيد للثوار ما سرق منهم . ونريد الناصرة للنصراويين وليس لمفرقي الصفوف.
بالطبع هناك عقلانيين لكني اراهم صامتين. المؤثر السلبي الكبير على المجتمع العربي في اسرائيل، هو التراجع الحاد في واقع الأحزاب العربية التي تمثل التيارات الفكرية اليسارية والقومية الراديكالية. للأسف دورها في اطار مجتمعنا المدني يتلاشى ويقل تأثيره. اضحت أقرب الى قوائم انتخابية. لا طروحات فكرية، لا نقاش ايديولوجي، لا نشاط ثقافي وسياسي مؤثر. والحديث النظري عن قائمة واحدة لمعركة انتخابات الكنيست مثلا ، (وليس السلطة المحلية فقط) ، لضمان عدد أفضل من الأعضاء العرب، صعب جدا، اذا لم نقل مستحيلا. الأحزاب في عملية شخصنة ( تحول الشخص الى القيمة الجوهرية للتنظيم) تزيد من الضحالة السياسية ، والإبتذال الفكري والارتجال السياسي حتى في قضايا ملحة ومؤثرة على المدى القريب او البعيد، وتعمق البهلوانية وانطفاء الدور الحقيقي المتوقع من تنظيمات مجتمع مدني.
بصراحة اقول ان المي الأساسي هو اننا نفقد الدور الطليعي للحزب الشيوعي ، لا اقول ذلك من منطلق انتماء ايديولوجي، سقطت ، ضمن رؤيتي على الأقل، الكثير من الطروحات الجوهرية للفكر الشيوعي انما من رؤيتي لأهمية دور الحزب التاريخي والسياسي والثقافي والوطني في مجتمعنا ، ومن رؤيتي انه الحزب الوحيد القادر على تجديد هذا الدور وتبوء الصدارة السياسية والاجتماعية بطروحاته العقلانية. وما يحتاجه الخروج من تخبطاته وصراعاته الشخصية، احداث انتفاضة فكرية عميقة ونسق تنظيمي جديد ، واعطاء اعلامه مضامين حديثة واكثر تحررا من الرقابة القاتلة للفكر، واحياء مشروعه الثقافي التنويري الذي بتنا نحتاجه بشكل اكثر الحاحا من سنوات الدولة الأولى ومحاولات الخنق الثقافي للجماهير العربية. ان الدور التثقيفي للأحزاب هو دور بالغ الأهمية في تأثيرة الفكري والاجتماعي والسياسي. المواقف الخاطئة حتى لو تغلفت بالفكر الثوري، تقود كما كل النوايا الطيبة الى المزيد من الاضمحلال والتفتت في فكر الحزب ومشروعه االسياسي حتى لو كان أصدق المشاريع.لدينا حلما وطنيا ، نريد شعبنا موحدا حول مطالب سياسية واجتماعية ، المنطلقات الطائفية والعائلية من أي جهة كانت تخدم سياسة السلطة التمييزية.
لا شيء سهل ولكن لا شيء مستحيل.
الأحد مايو 26, 2019 12:59 am من طرف نبيل عودة
» فلسفة مبسطة: الماركسية بين الجدلية والمركزية
الجمعة يوليو 13, 2018 9:52 am من طرف نبيل عودة
» الرأسمالية في التطبيق!!
الأربعاء مارس 07, 2018 10:42 pm من طرف نبيل عودة
» مطلوب مرشحين لرئاسة بلدية الناصرة
الثلاثاء يناير 30, 2018 6:59 pm من طرف نبيل عودة
» مؤسسة الفكر للثقافة والاعلام تصدر كتابا الكترونيا لنبيل عودة
السبت ديسمبر 23, 2017 7:25 am من طرف نبيل عودة
» خواطر ثقافية حول ديوان الشاعرة نعيمة عماشة: "يمام ورصاص"
الأحد سبتمبر 24, 2017 11:00 am من طرف نبيل عودة
» الواقع الثقافي العربي ومفهوم الحداثة
الإثنين سبتمبر 11, 2017 10:59 am من طرف نبيل عودة
» ديماموغيا
السبت سبتمبر 02, 2017 6:18 am من طرف نبيل عودة
» يستحق الاعدام
الثلاثاء أغسطس 22, 2017 11:06 pm من طرف نبيل عودة