هذا الحجر .. أين الإنسان ..؟!
-1-
ذات نهار ، زار الشاعر التشيلي بابلو نيرودا مدينة ماشوبيشو الميتة في بيرو ، وأثناء تجواله في الشوارع الحجرية الصامتة ، أخذ ينظر من النوافذ الميتة إلى الغرف التي لم يعش فيها بشر منذ سنين .. حاول نيرودا أن يتخيل الحياة المتشابكة لساكني تلك المدينة .. هؤلاء السكان الذين تلاشوا .. حاول أن يتخيل وجوههم ، أعمالهم ، فكتب يقول :
" حجر على حجر .. لكن أين الإنسان ؟ "
نيرودا لم يزر المدائن الحية في أوطاننا ..
لم يطل من نوافذ الموت الحقيقي في هذا الزمن المدجن بالشعارات ..
ترى ، ماذا كان سيكتب نيرودا عن المشهد اليومي المميت .؟!
- 2-
خلال عهد مكارثي في الولايات المتحدة ، كانت أسرع طريقة للتعريف بطرق التحقيق والاتهام التي اتبعها السيناتور جوزيف مكارثي ، هي تسميتها بالفاشية ..!
الآن ..أسرع طريقة للتعريف بطرق الاتهام ، تسميتها بالإرهاب ..!
لذلك ، ربما نتساءل الآن عن الانسان ، حين يكرس الغرب غرور العظمة وبالأساليب التي يريدها ..
- 3 -
هذا الذي يحدث الآن .. يحدث غدا .. حدث أمس ، بالتفاصيل الدقيقة والأهداف الواضحة .. فتكون الصورة واحدة :
هذا الدم المعلق ، بحرقته ، غزارته ، رعبه الصلب ، بالموت القادم عبر فوهات التدمير المبرمج ، لا يشي هذا النهار سوى بالحقيقة المرة : نحن بلا استثناء ، سواسية كأسنان المشط أمام الهجمة الشرسة ..
لماذا إذن ، هذا الفزع اليومي حين نرى الأشلاء الصغيرة موزعة بين حديد سيارة إسعاف وأفئدة الأمهات ..؟
لماذا الفزع ، حين تصرخ طفلة أمام رأس شقيقتها التي انفجرت ..؟
لماذا هذا الحزن وحالنا حزن دائم ، ودخان الموت الصهيوني المميت يحجب الشمس ويحيل الحياة إلى أشياء قاتمة .. إلى حجر فوق حجر .. إلى لا إنسان .؟
هل يستطيع أحد أن يفك " لحام " أب مكلوم عن جسد طفلة غض كانت منذ لحظات تحلم بالفجر .. الذي ما أتى .؟!
لنفعل شيئا أو لنصمت .. ما دام كل شيء مستهدفا :
الرغيف مستهدف ، النور مستهدف .. الجدار مستهدف ..
وقبل ذلك ، الانسان العربي مستهدف .. والتهم جاهزة والمدافعون عن الجريمة أعدوا أوراق دفاعهم سلفا ..
- 4 -
ماذا يريدون لنا بالضبط .. وجميعنا يعلم ماذا يريدون ؟!
يُراد أن يكون الموت سمة واضحة المعالم نتجرعه قبل الوجبة اليومية ، أو قل : هو الوجبة اليومية في أحسن التوقعات ..
يراد للقتل أن يمر من عيوننا .. أن يجتث جذورنا .
أن يميتنا في عقر دارنا ، عند بوابات مخابزنا .. في غرف نومنا .. على أسرتنا ، ومن لم تقتله القذائف يقتله الجوع وتنهشه العتمة .
يراد أن يبقى المرجفون العاشقون على حبهم الأحادي الناقص .. أن يرتعشوا على صدر أو قبر راحيل من أجل شهوة الزيف أو زيف الملتقى .. لحظتها ، لن لن تقبل راحيل سوى الرؤوس جميعا على طبق فسفوري .. حارق .!
يراد لنا .. أن يكون موتنا أرخص كثيرا من مجرد فكرة عابرة .. بينما حين يموت يهودي ، تقوم الدنيا ولا تقعد .. ولن تقعد في ظل استمرار تلك الفكرة .
الحقيقة المرة الواضحة تقول :
لا يراد لنا أن ينهض من رماد الحروب والدمار ، أن يتنفس الحياة .
لا يراد لرغيف الخبز أن يصل إلى أفواه أطفال ما عرفوا الطفولة بعد .
لا يراد للكهرباء أن تصل إلى بيت أو مؤسسة انسانية .
لا يراد لطفل أن يعشق الحياة .. أن ينمو .
لا يراد لعربي أن يبقى عربيا .
وملذا بعد ..؟
ما حدث في السابق يحدث الآن باسلوب آخر ، أكثر همجية ، لكن ، نبقى نمارس الحياة ، ونبقى نغني : (بنرفض نحنا نموت .. قولولن راح نبقى)
..
الأحد مايو 26, 2019 12:59 am من طرف نبيل عودة
» فلسفة مبسطة: الماركسية بين الجدلية والمركزية
الجمعة يوليو 13, 2018 9:52 am من طرف نبيل عودة
» الرأسمالية في التطبيق!!
الأربعاء مارس 07, 2018 10:42 pm من طرف نبيل عودة
» مطلوب مرشحين لرئاسة بلدية الناصرة
الثلاثاء يناير 30, 2018 6:59 pm من طرف نبيل عودة
» مؤسسة الفكر للثقافة والاعلام تصدر كتابا الكترونيا لنبيل عودة
السبت ديسمبر 23, 2017 7:25 am من طرف نبيل عودة
» خواطر ثقافية حول ديوان الشاعرة نعيمة عماشة: "يمام ورصاص"
الأحد سبتمبر 24, 2017 11:00 am من طرف نبيل عودة
» الواقع الثقافي العربي ومفهوم الحداثة
الإثنين سبتمبر 11, 2017 10:59 am من طرف نبيل عودة
» ديماموغيا
السبت سبتمبر 02, 2017 6:18 am من طرف نبيل عودة
» يستحق الاعدام
الثلاثاء أغسطس 22, 2017 11:06 pm من طرف نبيل عودة