نعمة النسيان
بقلم ( محمد فتحي المقداد)
انتقلت إلى رحمة الله جارتنا الحاجة " منسيّة " أم عمر, وعلى ما أذكر أنها كانت منحنية القامة, بوجهها الطلق الجميل, والمزين بنقوش الوشم الجميلة التي تضفى جمالاً كان سائداً في مثل تلك الأيام, حيث لم يعد الوشم من الزينة المتداولة على نطاق شعبي واسع, إلاّ أن الوشم دخل حديثاً وعلى نطاق معين من الحالة الاجتماعية الأرستقراطية, التي تتبنى تقليد الوافد من العادات الغريبة عنا مهما كان غثاً أو سميناً, من باب التباهي, والتميز عن باقي فئات المجتمع. وكي لا أبتعد عن جوهر الموضوع الذي أنا بصدده, هو اسم جارتنا أم عمر الذي يعيدني لنسيان تلك الطفولة الحائرة والمعذبة, حيث أن النسيان هو أحد نعم الله عز و جل على الإنسان, حيث تغيب كثير من الحوادث عن ساحة الذاكرة مؤقتاً لكي ترتاح من طغيان الهموم والأحزان على فكر وقلب أي إنسان و لكن يستحضرها في وقت تغيب الأفراح والسرور عن ساحة الذاكرة, أي بمعنى إذا حلّ الحزن, تقلص الفرح.
وفي هذا المقام حضرني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان و ما استكرهوا عليه". أي أن الله لن يحاسب العبد على فعل قام به مجبراً دون إرادته,وكذلك ورد من أكل أو شرب ناسياً في رمضان فقط أطعمه الله وصيامه جائز على أساس أن يمسك بقية يومه عن شهوتي البطن والفرج.و كما يقال: في الحياة لا سرور دائم ولا حزن دائم , فالإنسان يعيش ضمن دائرة العواطف وقد وردت الآية الكريمة في آخر سورة البقرة:" {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286, ومعنى ذلك كما يلي لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) أي ما تسعه قدرتها (لها ما كسبت) من الخير أي ثوابه (وعليها ما اكتسبت) من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه ، قولوا (ربنا لا تؤاخذنا) بالعقاب (إن نسينا أو أخطأنا) تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) أمرا يثقل علينا حمله (كما حملته على الذين من قبلنا) أي بني إسرائيل من بيسان النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة) قوة (لنا به) من التكاليف والبلاء (واعف عنا) امح ذنوبنا (واغفر لنا وارحمنا) في الرحمة زيادة على المغفرة (أنت مولانا) سيدنا ومتولي أمورنا (فانصرنا على القوم الكافرين) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، وفي الحديث "لما نزلت هذا الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة قد فعلت( كما ورد في التفسير الميسر) وفي الرجوع لمادة نسي في اللغة كما وردت في المعجم المحيط , نَسِيَ فلان. وإنَه لَنَسِي: كَثِيرُ النِّسْيَانِ، ونَسٍ: كذلك. والنَسْيُ والنِّسْيُ: الشيْءُ المَنْسِي. وسُميَ الإنسانُ اشْتِقاقاً من النِّسْيَانِ، وهو في الأصْلِ: إنْسِيَانٌ، ودَلِيْلُه قَوْلُهم: أنَاسِيُ. وامْرَأةٌ نَسِي: تَنْسى.وإنْسَان العَيْنِ: جَمْعُه أنَاسِيُّ. والمُنْسِي: الذي يَصُرُ خِلْفَيْنِ أو ثَلاثَةً. والنَّسَا: عِرْقٌ في الفَخِذَيْنِ يَسْتَمِرُّ إلى الرجْلِ، وهُما نَسَيَانِ ونَسَوَانِ، والجَميعُ الأنْسَاءُ. وناقَةٌ نَسْيَاءُ وجَمَلٌ أنْسى: وهو الذي يَأْخُذُ في نَسَاهُ داء حَتّى يُقْطِعَ.و الأنْسَى: عِرْقٌ في الساقِ السُفْلى. ونَسَيْتُه: أصَبْتُ نَسَاه.
وهناك معنى آخر متفرع عن هذا الطرح: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }التوبة3737 - (إنما النسيء) أي التأخير لحرمة شهر إلى آخره كما كانت الجاهلية تفعله من تأخير حرمة المحرم إذا حل وهم في القتال إلى صفر (زيادة في الكفر) لكفرهم بحكم الله فيه (يُضل) بضم الياء وفتحها (به الذين كفروا يحلونه) أي النسيء (عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا) يوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله (عدة) عدد (ما حرم الله) من الأشهر فلا يزيدوا على تحريم أربعة ولا ينقصوا ولا ينظروا إلى أعيانها (فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم) فظنوه حسناً (والله لا يهدي القوم الكافرين). وفضيلة النسيان تنسينا في كثيرة من الأحيان ظلم من ظلمونا, لتقدم الحالة الإنسانية رحمة بهم, والمسامح كريم..
---------------------------------- انتهى
بصرى الشام 13-2-2011
بقلم ( محمد فتحي المقداد)
انتقلت إلى رحمة الله جارتنا الحاجة " منسيّة " أم عمر, وعلى ما أذكر أنها كانت منحنية القامة, بوجهها الطلق الجميل, والمزين بنقوش الوشم الجميلة التي تضفى جمالاً كان سائداً في مثل تلك الأيام, حيث لم يعد الوشم من الزينة المتداولة على نطاق شعبي واسع, إلاّ أن الوشم دخل حديثاً وعلى نطاق معين من الحالة الاجتماعية الأرستقراطية, التي تتبنى تقليد الوافد من العادات الغريبة عنا مهما كان غثاً أو سميناً, من باب التباهي, والتميز عن باقي فئات المجتمع. وكي لا أبتعد عن جوهر الموضوع الذي أنا بصدده, هو اسم جارتنا أم عمر الذي يعيدني لنسيان تلك الطفولة الحائرة والمعذبة, حيث أن النسيان هو أحد نعم الله عز و جل على الإنسان, حيث تغيب كثير من الحوادث عن ساحة الذاكرة مؤقتاً لكي ترتاح من طغيان الهموم والأحزان على فكر وقلب أي إنسان و لكن يستحضرها في وقت تغيب الأفراح والسرور عن ساحة الذاكرة, أي بمعنى إذا حلّ الحزن, تقلص الفرح.
وفي هذا المقام حضرني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:" رُفِع عن أمتي الخطأ والنسيان و ما استكرهوا عليه". أي أن الله لن يحاسب العبد على فعل قام به مجبراً دون إرادته,وكذلك ورد من أكل أو شرب ناسياً في رمضان فقط أطعمه الله وصيامه جائز على أساس أن يمسك بقية يومه عن شهوتي البطن والفرج.و كما يقال: في الحياة لا سرور دائم ولا حزن دائم , فالإنسان يعيش ضمن دائرة العواطف وقد وردت الآية الكريمة في آخر سورة البقرة:" {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }البقرة286, ومعنى ذلك كما يلي لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) أي ما تسعه قدرتها (لها ما كسبت) من الخير أي ثوابه (وعليها ما اكتسبت) من الشر أي وزره ولا يؤاخذ أحد بذنب أحد ولا بما لم يكسبه مما وسوست به نفسه ، قولوا (ربنا لا تؤاخذنا) بالعقاب (إن نسينا أو أخطأنا) تركنا الصواب لا عن عمد كما آخذت به من قبلنا وقد رفع الله ذلك عن هذه الأمة كما ورد في الحديث فسؤاله اعتراف بنعمة الله (ربنا ولا تحمل علينا إصرا) أمرا يثقل علينا حمله (كما حملته على الذين من قبلنا) أي بني إسرائيل من بيسان النفس في التوبة وإخراج ربع المال في الزكاة وقرض موضع النجاسة (ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة) قوة (لنا به) من التكاليف والبلاء (واعف عنا) امح ذنوبنا (واغفر لنا وارحمنا) في الرحمة زيادة على المغفرة (أنت مولانا) سيدنا ومتولي أمورنا (فانصرنا على القوم الكافرين) بإقامة الحجة والغلبة في قتالهم فإن من شأن المولى أن ينصر مواليه على الأعداء ، وفي الحديث "لما نزلت هذا الآية فقرأها صلى الله عليه وسلم قيل له عقب كل كلمة قد فعلت( كما ورد في التفسير الميسر) وفي الرجوع لمادة نسي في اللغة كما وردت في المعجم المحيط , نَسِيَ فلان. وإنَه لَنَسِي: كَثِيرُ النِّسْيَانِ، ونَسٍ: كذلك. والنَسْيُ والنِّسْيُ: الشيْءُ المَنْسِي. وسُميَ الإنسانُ اشْتِقاقاً من النِّسْيَانِ، وهو في الأصْلِ: إنْسِيَانٌ، ودَلِيْلُه قَوْلُهم: أنَاسِيُ. وامْرَأةٌ نَسِي: تَنْسى.وإنْسَان العَيْنِ: جَمْعُه أنَاسِيُّ. والمُنْسِي: الذي يَصُرُ خِلْفَيْنِ أو ثَلاثَةً. والنَّسَا: عِرْقٌ في الفَخِذَيْنِ يَسْتَمِرُّ إلى الرجْلِ، وهُما نَسَيَانِ ونَسَوَانِ، والجَميعُ الأنْسَاءُ. وناقَةٌ نَسْيَاءُ وجَمَلٌ أنْسى: وهو الذي يَأْخُذُ في نَسَاهُ داء حَتّى يُقْطِعَ.و الأنْسَى: عِرْقٌ في الساقِ السُفْلى. ونَسَيْتُه: أصَبْتُ نَسَاه.
وهناك معنى آخر متفرع عن هذا الطرح: {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }التوبة3737 - (إنما النسيء) أي التأخير لحرمة شهر إلى آخره كما كانت الجاهلية تفعله من تأخير حرمة المحرم إذا حل وهم في القتال إلى صفر (زيادة في الكفر) لكفرهم بحكم الله فيه (يُضل) بضم الياء وفتحها (به الذين كفروا يحلونه) أي النسيء (عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا) يوافقوا بتحليل شهر وتحريم آخر بدله (عدة) عدد (ما حرم الله) من الأشهر فلا يزيدوا على تحريم أربعة ولا ينقصوا ولا ينظروا إلى أعيانها (فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم) فظنوه حسناً (والله لا يهدي القوم الكافرين). وفضيلة النسيان تنسينا في كثيرة من الأحيان ظلم من ظلمونا, لتقدم الحالة الإنسانية رحمة بهم, والمسامح كريم..
---------------------------------- انتهى
بصرى الشام 13-2-2011
الأحد مايو 26, 2019 12:59 am من طرف نبيل عودة
» فلسفة مبسطة: الماركسية بين الجدلية والمركزية
الجمعة يوليو 13, 2018 9:52 am من طرف نبيل عودة
» الرأسمالية في التطبيق!!
الأربعاء مارس 07, 2018 10:42 pm من طرف نبيل عودة
» مطلوب مرشحين لرئاسة بلدية الناصرة
الثلاثاء يناير 30, 2018 6:59 pm من طرف نبيل عودة
» مؤسسة الفكر للثقافة والاعلام تصدر كتابا الكترونيا لنبيل عودة
السبت ديسمبر 23, 2017 7:25 am من طرف نبيل عودة
» خواطر ثقافية حول ديوان الشاعرة نعيمة عماشة: "يمام ورصاص"
الأحد سبتمبر 24, 2017 11:00 am من طرف نبيل عودة
» الواقع الثقافي العربي ومفهوم الحداثة
الإثنين سبتمبر 11, 2017 10:59 am من طرف نبيل عودة
» ديماموغيا
السبت سبتمبر 02, 2017 6:18 am من طرف نبيل عودة
» يستحق الاعدام
الثلاثاء أغسطس 22, 2017 11:06 pm من طرف نبيل عودة